الجمعة، 6 مايو 2011

روائع الفن العالمي | جمال قطب



كانت رحلة جميلة وماتعة , وإن أطلتها قليلاً مع المؤلف الفنان جمال قطب وكتابه الساحر الأنيق : روائع الفن العالمي الصادر عن دار مصر للطباعة .
يقع الكتاب في 146 صفحة من القطع الكبير , تضم نخبة من اللوحات العالمية لمشاهير الفن الذين أفرد المؤلف لبعضهم عدة صفحات حَوَتْ حياة الفنان الشخصية .. طباعه ومدرسته التي تأثر بها فكان من أتباعها , والمميز والفريد في هذا الكتاب الزاوية التاريخية التي لم يغفلها المؤلف وسلط عليها الضوء , متحدثاً عن الحقبة التاريخية التي شهدها كل فنان وانعكاساتها على لوحاته .. مما يجعل الكتاب تحفة فريدة وتصنيفاً غير مصنفاً في الكتب .. فهو فني بفكرته .. أدبي في صياغته .. توثيقي تاريخي في ملامحه ..!
تطرق قطب في حديثه عن بعض الفنانين إلى فن الباروك والروكوكو وتأثر فناني أوروبا بهما , فالروكوكو الذي ظهر في القرن الثامن عشر يعتمد على النقوش والزخارف والنساء الفاتنات والنزعة نحو الجمال المثالي
ويعتبر امتداداً متطوراً لفن الباروك الذي اختصت به الطبقة الارستقراطية في نهايات القرن السادس عشر والسابع عشر وهو فن يميل إلى الدقة والتفصيل والأحداث ربما , إذ تجد في تفصيلاته مايوحي لك بالجو العام للوحة بشخوصها وألوانها وحالاتها بخلاف الروكوكو الذي يتجه نحو السلاسة والخفة والرقة في التفاصيل رغم توجهها المثالي .
وفي معرض حديثٍ عن الفنان الفرنسي إدوار مانيه , صديق الأديب الفرنسي إميل زولا وملهمه , ذكر المؤلف بداية المدرسة التأثيرية في الفن العالمي , وانطلاقها من مقهى جيربوا الذي كان ملتقى للأدباء والفنانين اللذين تخلوا عن مظاهر الحياة المترفة في سبيل الحرية , متخذين لهم شعاراً رأيته سامٍ جدا " لنبقَ نبلاء ونسعد بفقرنا " فهم في ذلك يعلنون البراءة من المظاهر الحسية للطبقات الرفيعة والأسر التي ينتمون إليها والتي ربما وجدوا فيها تضييقاً وتقييداً لحرياتهم إيماناً بأن النبل لاينبع من المال وإنما الروح منبعه .. فكان مانيه واحداً من أولئك المجددين فلاقى مايلاقوه من عدم الاعتراف بالمواهب والتقليل من شأن أعمالهم , ولكنه استطاع بجدارة أن يصنع له اسماً في عالم الفن ويحجز له موقعاً مميزاً في اللوفر ..!
,
في الكتاب وقفة لطيفة مع شخصية غريبة وربما غرابتها كانت منشأ إعجابي وتركيزي على الفنان الألماني هنريش كلاي , الفنان الذي عاش في عزلة وانطواء رغم نبوغه الفني المبكر وإجماع النقاد على نبؤة بأنه سيكون ذا تأثير في الحركة الفنية الألمانية .. كانت لكلاي رؤى خاصة بالحياة الجديدة والثورة الصناعية , فهي في نظره عامل بناء حضاري وهدم إنساني في الوقت عينه , فكان شغف الناس في القرن التاسع عشر الذي عاصره كلاي على الحضارة سبباً في انصرافهم عن القيم والتهذيب والسلوك .. رسوماته تحوي كماً هائلاً من الغرابة وشيئاً من الطرافة ولكنها تترك في نفسك أكثر مما تتصور من التفكير , يمكن أن تصل لذلك بنظرة خاطفة عليها ..!
المؤسف أن شخصية كهنريش كلاي , محفزة للبحث ومستفزة للوعي لاتجد عنها شيئاً من الأبحاث أو الدراسات أو حتى سيرة ذاتية , وذلك لميله الشخصي نحو الغموض والانطواء والعزلة لدرجة أن حتى تاريخ وفاته مختلف فيه ولم تجمع مصادر على تاريخ بعينه .!
كان للفن الإسلامي نصيب من هذا المؤلف النادر .. ففي بدايات الكتاب وفي فصل بعنوان : " شرقنا العربي في أثوابه الشاعرية " عرض لنا قطب مجموعة من لوحات المستشرقين التي صوروا فيها العالم العربي والإسلامي برؤاهم وريشاتهم مستلهمين في ماكتبوا ورسموا حياة البساطة والتراث والعادات الأصيلة , من أمثال شارل ويلدا وألبرت باسيني وغيرهم من الفنانين الذين صوروا الحياة العربية في لوحات خالدة .. ثم عرج المؤلِف في ختام الكتاب إلى الفن الأندلسي ومافيه من ملامح إسلامية أصيلة تمثلت في مختلف أنواع الفن من لوحات وهندسة ونحت وعمارة مشيراً إشارات ثرية لتاريخ تلك البلاد الفريدة والتاريخ الإسلامي فيها .. عندما تصل إلى هذا الفصل تشعر بأنك تحولتَ فجأة من كتاب يحكي روائع الفن العالمي إلى كتاب تاريخي يحكي أمجاد إسلامية أودعناها الأندلس وودعناها ..!
* الكتاب أكثر ثراء من قراءتي المتواضعة , ولكنه جهد المقل (:









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق