الأربعاء، 14 أبريل 2010


يعجبني فن القصة القصيرة , قرأتُ له نماذج متفرقة على الانترنت و في بعض الصحف والمجلات , أكثرها عاطفية رومانسية , ذات محتوى يكاد يكون موحداً وما يختلف فقط أسلوبها , وكانت لي محاولة بسيطة جداً أدرجت ضمن القصة القصيرة وإن عنت لي أنها خاطرة أكثر من كونها قصة قصيرة وحقيقةً لم تخرج أيضاً عن نطاق الرومانسية : )..!


الديباجة أعلاه ليست إلا البداية التي جعلتني أقتني كتاب " القصة القصيرة.. دراسة ومختارات " للدكتور الطاهر أحمد مكي , كتاب كما هو واضح من العنوان شمل دراسة أخذت حيزاً مختصراً ولكنه في ذات الوقت شاملاً .. إذ أنها كانت في قرابة الـ 100 صفحة من كتابٍ يتكون من أكثر من 380 صفحة من القطع المتوسط .. تطرق الدكتور مكي في أول فصول دراسته ل" شيء من التاريخ " عرض فيها أصول القصة وجذورها الضاربة في الأدب الإنساني .. بدءاً بحضورها في الأدب العربي وانتهاءً بهجرتها إلى أوروبا , عرض في هذا الزخم الأدبي التاريخي أمثلة لكل مرحلة ومن الطبيعي جداً أن تحتل ألف ليلة وليلة موقعاً متميزاً في دراسة مكي للقصة العربية , هذه السلسلة الفارسية الأصل المنقولة إلى العربية والتي تركت بصمة واضحة في الأدب الأوروبي وخاصة في القرن الرابع عشر الميلادي وذلك من خلال الأديب الإيطالي بوكاشيو وكتابه " الديكاميرون " أو " الليالي العشر " نهج فيها منهج ألف ليلة وليلة من خلال عشرة أشخاص كان على كلٍ منهم أن يقص حكاية للبقية في كل ليلة لينسوا قسوة الريف ومرضه ..!

حدثتني الأوراق عن شكلٍ أدبي ظهر في القرن الرابع عشر الميلادي على يد رجل إيطالي يدعى بوتشيو , وذلك في مصنع الأكاذيب بقصر الفاتيكان , إذ كان المصنع عبارة عن حجرة تؤلف فيها القصص والنوادر التي شكلت آنذاك ما يعرف بالفاشيتيا .. ولم يغفل الكاتب عن ذكر مميزات القصة لكل القصاص في كل عصر ودولة .. مما يقرّب للقارئ صورة اختلاف مميزات القصة وتباينها وحتى سقوطها كجنس أدبي في القرن الثامن عشر الميلادي , ففي هذه المرحلة خبا نجم القصة وإن لم يأفل .. وربما هو قدر الأشكال الأدبية كلها , إذ يأتي على كلٍ منها زمان يتهاوى فيه نجمها ويبرز في سماء الأدب شكل أدبي بديل يأخذ فيه نصيبه من الشهرة والنمو والازدهار ثم يعود ليغدو طبيعياً مساوياً لسواه من الأجناس الأدبية ..!

تلا الفصل التاريخي للقصة , فصلُ عن القصة الجديدة وعودتها للظهور خصوصاً مع ظهور الصحافة إذ ارتبطت بها وانتشرت من خلالها وتنوعت موضوعات القصص بتنوع أهداف الصحيفة التي ستتولى نشرها , وربما كان ذلك سبب قرب القصة من العامة إذ أنها تتحدث بلسانهم وتحكي أحوالهم وتطول بالحرف ما قصرت عنه ألسنة المطالبين .. وكان القصص مترنحاً ما بين الرومانسية والواقعية في إسبانيا التي مثل مكي لأعظم روادها في هذا المجال وهما نيقولاي جوجول وأنطوان تشيخوف , كما أتى على ذكر الأمريكي إدغار آلان بو الذي ذُكِر لي بأن أحد الفرنسيين تعلم الإنجليزية فقط ليقرأ لهذا العبقري العظيم ..!

ولم يغفل المؤلف عن ذكر ممثل لفرنسا التي فجرت ثوراتها على البرجوازية والاستعمار عبر القصص القصيرة , وكان ممثله تلميذاً لفلوبير له نظرة مختلفة للحياة انتهت به إلى الجنون , ذلك هو السوداوي الساخر المتشائم جي دو موباسان ..!

وبعد السير المختصرة لرواد القصة القصيرة , توغل الكاتب في القصة القصيرة موضوع الدراسة كتعريف وخصائص فنية يمكن الخلوص إليها من خلال النماذج الملحقة بالدراسة والتي افتتحها بأول قصة قصيرة في الأدب العربي لمحمد تيمور .. كانت القصة في غاية البساطة واللطف والبراءة بلا حشو ولا زيادة .. وألحقها بنماذج عربية لإحسان عبدالقدوس ومحمود تيمور وغادة السمان ونجيب محفوظ وعدد من روادها العرب , وأخرى أجنبية لتشيخوف وموباسان وأجاثا كريستي وآخرون ..!

لم أتوقع أن يثريني هذا الكتاب ال اقتنصته فجأة كل هذا الثراء وأن يروقني إلى هذا الحد .. كانت رحلتي معه ماتعة وكعادتي مع كل كتاب بحثتُ أكثر حتى ظمئتُ تعباً وارتويتُ شغفا ..!






هناك تعليق واحد:

  1. فن القصه القصيره أحبه كثيرا مثلك ..


    شكرا لك ولمدونتك الرائعه ..

    ردحذف